تركيا تعلن “حرباً بيئية” على غابات كردستان

لندن (عربي times)

شعبي وأحلامي يا عبير

غابات كردستان في فجرٍ مطير

عيناكِ قنديلان من ذهبٍ ونار”.

في تلك القصيدة، أراد الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي أن يُوجّه رسالة حبٍ إلى زوجته، فلم يجد أفضل من تشبيه عبير بغابات كردستان الخضراء مبللة بالمطر عند الفخر.

ولطالما مثّلت غابات إقليم كردستان إحدى أيقونات جمال الطبيعة في العراق. وقد كتب عنها المهتّمون بجغرافيا العراق منذ القدم. يقول أحمد محمد في كتابه “أكراد الدولة العثمانية” إن كردستان لطالما اشتهرت بثروتها النباتية وكثافة غاباتها بسبب توافر المياه وبسبب طبيعة البلاد الجبلية التي ساعدت على نشأة المناطق الشجرية.

لكن غابات كردستان كانت عرضة للتدمير مرارا.

يقول أحمد محمد: “حرقت السُلطات التركية قِسماً كبيراً منها عند تصدّيها للانتفاضات”.

وإذا علمنا أن كتاب “أكراد الدولة العثمانية” اهتمَّ بتوثيق أحداث كردستان خلال الفترة من 1880 وحتى 1923، لأيقننا أن مشكلة “حرق الغابات” ليست وليدة اللحظة، وإنما هي سلاح قديم استعانت به تركيا مرارا خلال حربها ضد الأكراد.

قطع الأشجار.. الحرب البيئية

وفقاً لتقديرات نشطاء بيئة، فإن غابات كردستان فقدت قرابة 2.2 مليون فدان ما بين عامي 1999 و2018، أي ما يُقارب نصف مساحتها، بسبب قطع الأشجار وحرائق الغابات.

لكن التآكل المستمر في الغابات الكردية يختلف عن المشاكل التقليدية التي تعاني منها أي غابات في العالم، وعلى رأسها الحرائق الناتجة عن الحر أو المشكلات البيئية مثل الاحتباس الحراري والتصحر، فما يُزيد من معاناة غابات كردستان هو النظرة السياسية لها كمعقلٍ للمسلحين الأكراد، لذا تبنّت أنقرة سياسة قديمة اقتضت التخلُّص من تلك الغابات كيلا تتحوّل إلى مقرٍّ آمن لاختباء المُتمردين ولتيسير انتشار جنودها.

منذ عامين، حذّرت الأمم المتحدة في تقريرٍ لها من المخاطر التي تتعرّض لها غابات كردستان بسبب الحملات العسكرية التركية داخل أراضي إقليم كردستان. وبحسب التقرير، فإن الجيش التركي استهدف 150 موقعاً كردياً بهجماتٍ صاروخية انتهت بإشعال النار فيما يزيد عن مليون فدان.

رغم هذه الخسارة، فإن الجدل حول السلوكيات التركية بحقِّ غابات كردستان بلغ أوجه العام الماضي تزامناً مع العملية العسكرية “مخلب البرق- الصاعقة”، التي أطلقتها تركيا ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في عددٍ من المناطق الكردية، وتضمنت توغلاً في العمق الكردي وإقامة نقاط تفتيش للتضييق على مقاتلي حزب العمال الكردستاني.

بحسب الرواية الكردية، فإن الجيش التركي خلال تلك العملية لم يكتفِ بإحراق الغابات، بل كان يُعطّل أي جهودٍ محلية لإخمادها بدعوى أنها “مناطق عسكرية محظورة”، وهو ما أدّى لتوسيع رقعة النيران أكثر فأكثر.

وفي ظل غياب الأرقام الرسمية، فإن أرقام خسائر الغابات الكردية متباينة من جهةٍ دولية إلى أخرى ومن مؤسسة محلية إلى أخرى. فبحسب تقديرات الناشط البيئي وليد حسن، فإن القوات التركية جرّفت أكثر من ألف دونم (الدونم =2500 متر مربع) من غابات كردستان خلال عملياتها العسكرية تلك في إقليم كردستان.

ودعا حسن إلى تسليط الضوء على “ما تقوم به القوات التركية من تجريف وإحراق للغابات خاصة بسبب القصف الجوي أو المدفعي بين فترة وأخرى”.

من جهته، قال النائب الكردي حسين كاتشماز النائب عن حزب “الشعوب الديمقراطي” في البرلمان التركي، إن الجيش التركي جمع ما يزيد عن 400 طن من الأخشاب جراء عمليات تقطع الأشجار الواسعة عند جبل جودي.

هذه الظاهرة استدعت تعليقاً من عالم البيئة الكردي وهاب أكشله الذي قال إن “الحرائق في كردستان مرتبطة بالمسألة الكردية.. تتعرّض الطبيعة في كردستان لحملة إبادة حيث تندلع الحرائق في قسم وتقطع الأشجار في قسم آخر، كما تبنى السدود، لكن هدف السلطات التركية في الحقيقة هو تهجير الشعب الكردي من هذه المناطق”.

ويذكر مهند يوصف في بحثه “البيئة في العراق: الضحية الصامتة” عام 2019، إن 28% من مساحة محافظة دهوك في إقليم كردستان العراق كانت خضراء، لكنها تقلّصت خلال سنواتٍ معدودة إلى 20% فقط، وهي نسبة مُرشحة للانخفاض مُجدداً خلال الأعوام المقبلة.

ونالت محافظة دهوك حظها من تأثيرات العمليات العسكرية التركية العام الماضي، إذ أزالت تركيا العديد من الأشجار لتُفسح المجال لإقامة طُرق تسهّل تنقلات جنودها من قواعدهم العسكرية إلى العمق الكردي. وفي بعض الأحيان، كانت الأشجار المقطوعة تستخدم لتدفئة الجنود الأتراك خلال عملياتهم العسكرية في المناطق الكردية.

وبحسب مديرية الغابات في دهوك، فإن القصف التركي في 2021 وحده أحرق أكثر من 4 آلاف دونم من المساحات الخضراء.

من جانبها، لم تقدّم تركيا ردا مفصّلا على هذه الادعاءات إلا بيانا عسكريا ذكرت فيه في مايو العام الماضي ذكرت فيه عرضا أنها تُظهر “أقصى قدرٍ من الاهتمام بسلامة الأرواح وممتلكات السكان المدنيين وحماية البيئة” خلال عملياتها العسكرية، دون أو تنفي بشكلٍ قاطع الاتهامات الموجهة لها.

سلاح قديم جديد

يقول عالم الاجتماع جوست جونجيردين Joost Jongerden) ) في ورقته البحثية “حرق الغابات لمكافحة التمرد“، إن الاتهامات بحرق غابات الأكراد تُلاحق الجيش التركي منذ التسعينات، ويضيف أنه في بعض الأحيان لم يكتفِ الجنود الأتراك بحرق الغابات الكردية وإنما كانوا يقومون بتدمير قرى بأكملها وتهجير سكانها.

ووفقاً لدراسة “محاربة التمرد وتدمير البيئة: حالة حرائق الغابات في محافظة ديرسم” التركية، لبينار دينك ولينا إكلود، فإنه خلال عملية عسكرية تركية واحدة أُحرقت 7.5% من مساحة غابات ديرسم في المناطق الكردية داخل تركيا.

وتضيف دراسة جوست جونجيردين السابقة أن 35% من إجمالي سكان ريف تونجلي اضطروا إلى مغادرة قراهم جراء العمليات العسكرية والحرائق المستمرة في الغابات.

هذا الوضع ظلَّ مستمراً حتى وقتٍ قريب. فعقب انتشار جديد عام 2018 لحرائق الغابات في مدينة تونجلي التي تعد مركزا قويا للأكراد في تركيا، اشتكى السكان المحليون من أنها مفتعلة من قِبَل رجال الأمن. وقد حاول وفد برلماني تركي الدخول إلى إحدى مناطق احتراق الغابات لكنه مُنع من قبل قوات الجيش.

العراق ينتقد

في 2021، انتقد الرئيس العراقي السابق برهام صالح تركيا، دون أن يسميها، واتهمها بقطع أشجار الغابات في المناطق الحدودية لإقليم كردستان، واصفا ذللك بـ”ممارسات غير إنسانية وجريمة بيئية لا يجب غض النظر عنها”.

كما اعتبر كاطع الركابي عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، أن تجريف غابات كردستان هو “سيناريو عدواني جديد” ضد العراق من قِبَل تركيا، مؤكداً أن أعمال تقطيع الأشجار الكردية ثم نقلها إلى مدينة عنتاب التركية واستخدامها في تصنيع الفحم هي أفعال تتجاوز “كل الأعراف ومبادئ حُسن الجوار”.

وفي العام ذاته، صدر بيان مشترك بين وزارتيْ الزراعة في الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم وصفت فيه العمليات التركية بـ”التصرفات العدائية ضد الطبيعة والبيئة العراقية وبيئة إقليم كردستان، بل عملاً عدائياً ضد الإنسانية وكل العالم لأن البيئة ليس لها حدود”.

تركيا: الأكراد يحرقون غاباتنا

بدورها تتهم تركيا المقاتلين الأكراد بإشعال النار في غاباتها. ففي العام الماضي، انتشرت حرائق الغابات بشدة في تركيا لتتصاعد دعوات شعبية تزعم أن مسلحي حزب العمال الكردستاني يقفون وراء إشعال تلك الحرائق، وهو ما نتج عنه حوادث طُورد فيها مواطنون أكراد في الشوارع بعدما اتهمهم السكان بإحراق غاباتهم.

كما نشرت وسائل إعلام تركية تقارير تحدثت فيها عن “الشكوك المتزايدة” بشأن تورّط الأكراد في إشعال 71 حريقاً في غابات 17 مدينة تركية خلال 3 أيامٍ.

ذات السيناريو تكرّر في هذا العام، حينما اندلع قرابة 299 حريقاً في غابات 54 مدينة تركية، تفاعل معها ميليه جوكجيك العمدة السابق لأنقرة عن حزب العدالة والتنمية بكتابة تدوينة قال فيها “الخونة يُشعلون النيران بطائرات دون طيار”، إلا أنه سرعان ما حذفها. وهو نفس ما فعلته وكالة أنباء ديميرورين  التي نشرت خبراً عن القبض عن اثنين من جنود حزب العمال الكردستاني خلال إشعال الحرائق، لكنها حذفته بعدما تبيّن عدم صحته.

هذه الاتهامات المتتالية دفعت منظمة “اتحاد مجتمعات كردستان” لاعتبار أن تلك الدعاية السلبية ضد الأكراد محاولة لتحميلهم مسؤولية الحرائق وصرف النظر عن فشل الحكومة التركية في معالجة تلك الأزمة.

Comments are closed.